.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

ربط البدء بصيام رمضان والانتهاء منه برؤية الهلال

==========================================================

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ).(صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما)
فالله جعل من غايات خلق النجوم والكواكب الاهتداء إلى الأيام والشهور، ويرتبط جانب بارز من ذلك بشروق الشمس وغروبها، ورؤية أهلة أقمار بدايات الشهور، فشروق الشمس يدل على بدء النهار، وغروبها يدل على بدء الليل، وهكذا بالنسبة إلى القمر، فيبدأ الشهر القمري برؤية هلاله، وينتهي بمغيبه وظهور هلال الشهر الذي يليه.
منازل القمر
يقول سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(يونس:5)
قوله تعالى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} يعني: حساب الشهور والسنين والأيام والساعات.(التفسير الوسيط للواحدي:2/539)
وَقَوله: {وَقدره منَازِل} مِنْهُم من قَالَ: هَذَا ينْصَرف إِلَى الْقَمَر خَاصَّة، وَمِنْهُم من قَالَ: ينْصَرف إِلَيْهِمَا، إِلَّا أَنه اكْتفى بِذكر أَحدهمَا عَن الآخر.
ومنازل الْقَمَر ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ منزلاً، أساميها مَعْلُومَة عِنْد الْعَرَب، تكون أَرْبَعَة عشر مِنْهَا ظَاهِرَة أبداً، وَأَرْبَعَة عشر مِنْهَا غَائِبَة أبداً، وَكلما طلع وَاحِد غَابَ وَاحِد، وَالْقَمَر ينزل كل لَيْلَة منزلاً مِنْهَا.(تفسير السمعاني:2/367)
بم يثبت دخول شهر رمضان وختمه؟
معلوم أن البدء بصيام شهر رمضان يكون بعد ثبوت رؤية هلاله، والانتهاء منه يكون بعد ثبوت هلال شهر شوال الذي يليه، حسب حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، المثبت نصه أعلاه، الذي هو واحد من الأحاديث الشريفة الصحيحة التي تربط البدء بصيام شهر رمضان بثبوت رؤية هلاله، وقوله: (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ) الْمُرَادُ رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، بَلْ يَكْفِي جَمِيعَ النَّاسِ رُؤْيَةُ عَدْلَيْنِ، وَكَذَا عَدْلٌ عَلَى الْأَصَحِّ، هَذَا فِي الصَّوْمِ، وَأَمَّا الْفِطْرُ فَلَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ عَلَى هلال شَوَّالٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَجَوَّزَهُ بِعَدْلٍ.(صحيح مسلم بشرح النووي: 7/190)
وحول شهود الشهر، المشار إليه في قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...}(البقرة:185) يقول الماوردي: الشهر لا يغيب عن أحد، وفي تأويله ثلاثة أقاويل: أحدها: فمن شهد أول الشهر، وهو مقيم فعليه صيامه إلى آخره، وليس له أن يفطر في بقيته، وهذا قول عليّ، وابن عباس، والسدي.
والثاني: فمن شهد منكم الشهر فليصم ما شهد منه وهو مقيم، دون ما لم يشهده في السفر، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن البصري.
والثالث: فمن شهد بالغاً عاقلاً مُكَلَّفاً فليصمه، ولا يسقط صوم بقيته إذا جُن فيه، وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبيه.(تفسير الماوردي=النكت والعيون:1/240-141)
وقوله: (فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ) أي قدروا تمام الشهر بالعدد ثلاثين يوماً، وقال ابن قتيبة: معناه: أي قدّروه بالمنازل. وحمل جمهور الفقهاء ما في الحديث على أن المراد به إكمال العدة ثلاثين، كما فسره في حديث آخر.(إكمال المعلم بفوائد مسلم:4/ 7)
عدد أيام الشهر القمري
أيام الشهر القمري، لها احتمال من اثنين فحسب، فهي إما تكون تسعة وعشرين، أو ثلاثين، فتحري هلال الشهر يكون بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من أيام سابقه، فإن ثبتت رؤية هلال الشهر الجديد تكون أيام السابق تسعة وعشرون، وإن لم تثبت تتمم أيام الشهر بيوم آخر لتصبح ثلاثين، وهذا النهج تثبته أحاديث صحيحة وصريحة، منها حديث ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، الذي يخبر فيه أنَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: (إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ) (صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما)
وعَنِه، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ، فَقَالَ: (الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ) (صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما)
معناه: أن الشهر مقطوع بأن لا بد أن يكون تسعاً وعشرين، فإن ظهر الهلال وإلا فيطلب أعلى العدد الذي هو ثلاثون، وهو نهاية عدده. (إكمال المعلم بفوائد مسلم:4/7)
يقول الإمام النووي: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْهِلَالِ، فَقَدْ يَكُونُ تَامًّا ثَلَاثِينَ، وَقَدْ يَكُونُ نَاقِصًا تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَقَدْ لَا يُرَى الْهِلَالُ، فَيَجِبُ إِكْمَالُ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ.(صحيح مسلم بشرح النووي: 7/190-191)
وفي هذا السياق أيضاً يرد حديث ابن عمر، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، وَالشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا) يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ.(صحيح مسلم)
قَالَ الْعُلَمَاءُ أُمِّيَّةٌ بَاقُونَ عَلَى مَا وَلَدَتْنَا عَلَيْهِ الْأُمَّهَاتُ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، وَمِنْهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، وَقِيلَ هُوَ نِسْبَةٌ.(صحيح مسلم بشرح النووي: 7/192)
الرؤية ليست بكبر الهلال وصغره
جاء في صحيح مسلم: بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِكُبْرِ الْهِلَالِ وَصِغَرِهِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ، فَإِنْ غُمَّ فَلْيُكْمَلْ ثَلَاثُونَ، وفيه عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: (خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، قَالَ: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ، فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ)(صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره، وأن الله تعالى أمده للرؤية فإن غم فليكمل ثلاثون)
فرَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَ مُدَّةَ رَمَضَانَ زَمَانَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ؛ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، (فَهُوَ) أَيْ رَمَضَانُ (لِلَيْلَةِ رَأَيْتُمُوهُ) وَالْمَعْنَى رَمَضَانُ حَاصِلٌ لِأَجْلِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِكِبَرِهِ، بَلْ وَرَدَ أَنَّ انْتِفَاخَ الْأَهِلَّةِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ.(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:4/1379-1380)
الرؤية والحساب الفلكي
علم الفلك من العلوم النافعة التي يمكن الاستفادة منها في بعض الموضوعات الدينية، وعلى رأسها التدبر في آيات الله الباهرة المتجلية في دقة خلقه سبحانه، وبالنسبة إلى علاقته في إثبات بدايات الشهور القمرية، فهو يكشف عن ذلك بدقة متناهية، والأصل أن يستفاد منه في الاستئناس الخاص بهذه المسألة، لكن ربط إثبات بدايات الشهور مرتبط فقهياً برؤية الهلال، ولذلك شروط معلومة، وكون الفلك يعين بداية للشهر وعدم إقرار ذلك من قبل هيئات الإفتاء المسؤولة التي تشترط الرؤية البصرية أو المجهرية لا يعني إنكار علم الفلك أو التعارض معه، فقد تتفق الرؤية مع الفلك في إثبات بداية الشهر، وهذا جيد، ولكن أحياناً تثبت هذه البداية في الفلك وتتعذر بالرؤية، لوجود غيوم أو ضباب، أو أن فترة مكوث هلال القمر الخاص ببداية الشهر تكون غير كافية للتمكن من الرؤية، وفي هذه الحالة تثبت بداية الشهر فلكياً لكنها تتعذر فقهياً لمن يشترط الرؤية لها، من هنا يحدث الاختلاف أحياناً بين الفقه والفلك في الموقف من تحديد بداية الشهر، ويستحيل واقعياً وعلمياً أن يحدث العكس، يعني بوجود خطأ مؤكد لو نفى الفلك دخول الشهر في الوقت الذي تثبته الفتوى الفقهية، فهذا اختلاف ينم عن خطأ جسيم وبين، من هنا؛ فإن الإعلان عن ثبوت الرؤية أو نفيها يحتاج إلى تقدير بصير ودقيق، والاعتماد على قرار المخولين بذلك يقطع الخلاف، ويوحد الموقف المتعلق بعبادة دينية يحظر التهاون فيها أو المناكفة، لذا فأهل فلسطين مدعوون لتحري مراقبة هلال شهر رمضان القادم بعد غروب شمس يوم الأحد القادم 29/شعبان/1445هـ وفق 10/آذار/2024م، وعلى من يوفق لرؤية الهلال أن يبادر للإدلاء بشهادته بالخصوص من خلال الحضور إلى أي دائرة من دوائر الإفتاء في محافظات الوطن أو الاتصال هاتفياً، وإن لم تثبت الرؤية فسيعلن عن إتمام شهر شعبان ثلاثين، ويكون اليوم الذي يليه هو الأول من رمضان، أعاننا الله على حسن صيامه وقيام لياليه، ونصر الله فيه الإسلام والمسلمين كما نصر المؤمنين في بدر والفتح وغيرهما، وفرج الله ما نحن فيه من كرب، وتقبل شهداءنا في جنات النعيم، وأطلق الله سراح أسرانا وأحسن خلاصهم، وأعانهم على ما هم فيه من بلاء، وحفظ قدسنا وبلادنا من كل شر وسوء، وبالأخص مسرى نبينا، محمد، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
27 شعبان 1445هـ

تاريخ النشر 2024-03-08
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس